فجأة، وبلا مقدمات، وبعد تصعيد كاد يودي بالعلاقة بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، إلتقط رئيس الجمهورية المبادرة ودعا الى استشارات بعبدا، وطَوى مبدئياً صفحة رسالته الى مجلس النواب، وأمسك ملف التأليف بيده بعدما كان الوزير جبران باسيل المفاوض الحصري بإسم «التيار الوطني الحر» ورئيس الجمهورية على حدّ سواء، طوال فترة الفراغ الحكومي.
كانت صيغة باسيل آخر محاولة قبل المبادرة الرئاسية، لكنّ المحاولة سقطت بعدما رفضها الرئيس سعد الحريري، وبعد أن أجهَز عليها الرئيس نبيه بري، الذي أجهَز في طريقه على رسالة رئيس الجمهورية الى المجلس، وكذلك أجهز على محاولات تطويق الحريري بقوله إنّ من يجب ان يضحّي هو رئيس الجمهورية الذي عنده الحل المتمثّل باستضافة التمثيل السنّي المعارض، وبذلك يكون بري قد رمى الكرة في ملعب عون من دون سواه، ورسمَ نهاية خريطة الاستشارات الرئاسية التي بات يفترض أن تؤدي الى قبول عون بتوزير سنّي من حصته تحت طائلة استمرار الفراغ الرئاسي.
وتقول أوساط سياسية انّ كلام بري هو توزيع أدوار مع «حزب الله» في رفض ثلث عون المعطّل، فبري الرافض هذا الثلث لم يقف الى جانب حكومة الـ32 وزيراً، وتنصّلَ منها، لا بل ذهبَ الى تحميل عون مسؤولية تمثيل «سنّة 8 آذار»، بما يعني تخفيف الضغط عن الحريري، ورمي كرة التعطيل في ملعب رئيس الجمهورية.
وتشير الأوساط الى أنّ عون قام بما يشبه الانتفاضة على التعطيل الحكومي ليكشف الخيط الابيض من الخيط الأسود، ففي مقابل ما سيقدّمه في هذه المبادرة، سينتظر الموافقة على أي طرح يطرحه، أمّا اذا ووجِهَ بمزيد من المطالب، فهذا سيعني أنّ عرقلة تشكيل الحكومة لا يعود سببها الى خلاف على تمثيل «سُنّة 8 آذار»، بل الى قرار بعدم التشكيل، والمقصود طبعاً بهذا الكلام «حزب الله».
وتضيف الاوساط انّ مبادرة عون يلزمها أيام لكي تختبر النيّات والاجندات الحقيقية، فإمّا تؤلف الحكومة بعد خريطة الطريق التي رسمها بري، أو يستمر التعطيل، وتتحدد مسؤولية المعطّلين.
وفي هذا الاطار، تؤكد مصادر «التيار الوطني الحر» أنّ مبادرة عون تهدف الى تحريك الجمود، وخرق جدار التعطيل، والوصول الى حل يرضي جميع الأطراف. وتكشف أنّ أحد الخيارات التي يمكن ان تُناقَش هو ان يتم توزير «سنّة 8 آذار» (عبد الرحيم مراد او فيصل كرامي) من حصة رئيس الجمهورية.
وتضيف انّ هذا النقاش، اذا حصل، سيكون من ضمن نقاش آخر ضروري حول إعادة توزيع الحقائب، وتُلمح الى أنّ التوزيعة التي تم الاتفاق عليها قبل بروز أزمة توزير السنّة لم تعد صالحة كما هي، وانه في مقابل هذا التوزير يفترض البحث في مصير حقائب أساسية كوزارة الأشغال التي نالها تيار «المردة»، والتي لم تعد تناسب حجمه بعد تضاؤل كتلته الى 3 نواب، بعد ان شكّل النواب السنّة الستة كتلة نيابية.
وتشير مصادر «التيار الحر» الى أنّ رئيس الجمهورية هو في موقع المبادِر لكنه لن يقدّم اي اقتراحات، لأنّ الكرة ليست في ملعبه، وما يقوم به من استشارات إنما هو في صلب واجبه الدستوري. وتضيف أنّ عون يحتفظ بكل الخيارات على الطاولة، وينتظر انتهاء المشاورات التي يجريها ليبنى على الشيء مقتضاه. وهو بات يعتبر أنّ استمرار الفراغ الحكومي يهدف الى التأثير سلباً على عهده، في وقت يمر البلد بأزمة اقتصادية تحتاج الى تأليف حكومة اليوم قبل الغد.
ويبقى السؤال: الى ماذا ستفضي مشاورات عون؟ وهل سينجح في كسر الجمود وتأليف الحكومة؟ وماذا عن المطالب التي لم تظهر في شأن الحقائب والبيان الوزاري؟
يبقى الجواب عند «حزب الله».